التعاقد الإلكتروني في ميزان الشرع الإسلامي

سوق المملكة أكبر وأهم أسواق المنطقة في مجال تقنية المعلومات والاتصالات

  • المعلوماتية

  • مدة القراءة: 00:04:00

  • 2446 قراءة

  • رابط المقال

 

التعاقد الإلكتروني في ميزان الشرع الإسلامي

من المعلوم أن التجارة عبر الحاسب الآلي قد حققت طفرة لم يسبق لها نظير، بعدما وصلت شبكة الإنترنت إلى كل بيت وشركة ومتجر ومكتب. وفي المملكة العربية السعودية تشير الدراسات إلى أن سوق المملكة أكبر وأهم أسواق المنطقة في مجال تقنية المعلومات والاتصالات؛ [الأمر الذي يستوجب] عرض موضوع التعاقد الإلكتروني على ميزان الشرع وبيان مدى اتفاقه مع الأحكام الفقهية المتعلقة بالعقود.

التعاقد الإلكتروني هو "التصرّف القانوني، الذي يتم عن بُعد، عن طريق وسيلة إلكترونية، وذلك حتى إتمام العقد." أي إنه يتضمّن ثلاث خصائص أساسية: تتوفّر فيه أركان العقد من الأهلية والصيغة والمحل، ويتم عن يُعد فيخلو عن مجلس العقد بمعناه المادي، وقد تفرض فيه بعض الشروط غير المألوفة. 

فيما يخلي الخصيصة الأولى؛ أركان العقد. يمكن القول إن عارض السلع أو الخدمات [الإلكترونية] تتوافر فيه أهلية التعاقد؛ لضرورة حصوله مسبقًا على ترخيص ممارسة التجارة. أما من يستقبل السلع أو الخدمات فقد يكون ناقص الأهلية أو عديمها، ويمكن التغلب على هذه المشكلة عبر اشتراط إدخال رقم بطاقة الائتمان التي لا تُمنح إلا لمن تتوافر فيه أهلية التعاقد بطبيعة الحال. وإذ تتكوّن صيغة العقد من الإيجاب والقبول، فإن الإيجاب على شبكة الإنترنت قد يظهر عبر البريد الإلكتروني أو شبكة المواقع (Web) أو المحادثة والمشاهدة عبر الإنترنت، وإن القبول يتم بأي طريقة جرى العرف على اعتبارها قبولًا، كاللفظ أو الإشارة أو الكتابة أو الرمز أو القبول الضمني بإدخال رقم بطاقة الائتمان السري. أما محل العقد، أي ما وقع عليه التعاقد، فيشترط الفقهاء لجوازه أن يكون موجودًا حين العقد وأن يكون قابلًا لحكم العقد وأن يكون معيّنًا ومعرّفًا مع القدرة على تسليمه، وفي التعاقد الإلكتروني جرى العمل على أن يضع الموجب مواصفات دقيقة للسلع المعروضة تتضمن الصورة والمواصفات والثمن وكل ما يهم المشتري، وهذه الحالات يجيزها الفقه الإسلامي.

ومن خصائص التعاقد الإلكتروني أن يتم عن بُعد فيخلو عن مجلس العقد في صورته المادية، لوجود أطراف التعاقد في أماكن مختلفة؛ ما جعل بعض شرّاح القانون يطبقون عليه أحكام التعاقد بين غائبين. إلا أن النظرة المتأنية تجعلنا نجزم أن التعاقد عبر الإنترنت تنطبق عليه أحكام التعاقد بين حاضرين، كما أقرّت فتوى مجلس الفقه الإسلامي بالقرار رقم 52 (3/6).

وفيما يخص إدراج الشروط في التعاقد الإلكتروني، يجري العمل في التجارة الإلكترونية على صياغة عقود نموذجية معدّة سلفًا، يقتصر القبول فيها على مجرد التسليم بشروط مقررة يضعها الموجب ولا يقبل مناقشة فيها. وقد رأى كثير من الباحثين المعاصرين ضرورة اتخاذ خطوات كافية لإعلام المتلقي بصورة واضحة بما تتضمنه العقود النموذجية من شروط ملزمة حتى يكون قبوله لها مجرّدًا من وسائل الخداع والتمويه. من ذلك: الإشارة إلى الشروط وتفصيلها وإظهارها بصورة واضحة. 

أم القانون الواجب التطبيق على التعاقد الإلكتروني فإنه من المسائل التنظيمية التي تخضع لإرادة الطرفين، وغالبًا ما يتم الاتفاق على اللجوء إلى التحكيم الإلكتروني، وهو ما لا يتعارض مع مبادئ وأحكام الفقه الإسلامي.

وغالبًا ما تكون الكتابة الإلكترونية والتوقيع الإلكتروني من أبرز إثبات التعاقد الإلكتروني، وقد ظهر في التطبيق العملي ما يؤدي إلى الاعتراف بحجيّة الوثائق الإلكترونية وصحة التوقيع الإلكتروني، وهذا لا يخالف أحكام الفقه الإسلامي.

وبمجمل القول: أن التعاقد التجاري الإلكتروني بضوابطه الشرعية يعتبر صحيحًا في ميزان الشرع الإسلامي، وهذا ما توصلت إليه قرارات وتوصيات الندوات والمؤتمرات التي انعقدت في جامعة الأزهر وجامعة الكويت وجامعة الإمارات العربية المتحدة وندوة البركة التاسعة عشرة للاقتصاد الإسلامي.


 


 من ورقة "التعاقد الإلكتروني في ميزان الشرع الإسلامي"، محمد بن جبر الألفي، ورشة "أحكام في المعلوماتية"، الرياض، 2002م.